بسم الله الرحمن الرحيم
ما هو القرآن ؟
القرآن هو كلام الله العزيز و النص الإلهي المنَّزل بواسطة الوحي على رسول الإسلام و خاتم النبيين محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وآله ) بلغة العرب و لهجة قريش .
و هو المعجزة الإلهية الخالدة التي زوَّد الله تعالى بها رسوله المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) ، و هو الميراث الإلهي العظيم و المصدر الأول للعقيدة و الشريعة الإسلاميتين ، و الذي لا يُعدل عنه إلى غيره من المصادر مطلقاً .
تسمية القرآن :
القرآن اسم يطلق على كلام الله عز وجل المنزَّل على خاتم الانبياء محمد ( صلى الله عليه وآله ) خاصة ، و لا يسمى بذلك غيره ، و هو اسم لمجموع ما هو موجود بين الدفتين [1] و المشتمل على مئة و أربع عشرة سورة ، أولها سورة الحمد و آخرها سورة الناس ، و في الحديث ، عن الامام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) أنه قال : " .. القرآنُ جملةُ الكتاب .. " [2] .
و كلمة " قرآن " مصطلح اسلامي و حقيقة شرعية استعملت بالمعنى المذكور في كل من القرآن الكريم و الحديث النبوي الشريف .
و يصح إطلاق " قرآن " على جميع القرآن و على السورة أو الآية الواحدة و حتى على بعض الآية [3] .
و لقد ذكر العلماء و المفسرون أسماءً عديدة للقرآن الكريم استخرجوها من نفس القرآن أو من الأحاديث الشريفة ، أمثال :
1. الكتاب : كما في قول الله عزَّ وجلَّ : { ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } [4] .
2. الفرقان : كما في قول الله عزَّ وجلَّ : { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } [5] .
3. الذكر : كما في قول الله عزَّ وجلَّ : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [6] .
4. النور : كما في قول الله عزَّ وجلَّ : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا } [7] .
5. الموعظة : كما في قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } [8] .
و لعل الصحيح أن ما عدا " قرآن " مما ذُكر من الأسماء ليست أسماءً خاصة بكلام الله العزيز الذي أنزله على رسوله الأمين محمد ( صلى الله عليه وآله ) بل ان بعضاً من الأسماء المذكورة كـ " الكتاب " يصح اطلاقه على غير القرآن أيضاً ، فهو يشمل القرآن و غيره من الألفاظ المكتوبة بشرية كانت أو سماوية ، أما البعض الآخر من هذه الأسماء فيصح إعتبارها أوصافاً للقرآن الكريم ، أمثال : الفرقان و الموعظة و الذكر و النور ، و غيرها [9] .
تطابق النص القرآني الموجود مع النص المنزَّل على الرسول :
لا شك و أن القرآن الكريم أكبر و أعظم شأناً من أن يحتاج في ثبوته إلى تأييد فرد أو جماعة ، فهو النص الإلهي الموجود منذ عصر النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى يومنا هذا ، و هو ثابت بالتواتر القطعي منذ عهد الرسالة و إلى هذا اليوم .
و قد ضمِن الله عزَّ و جلَّ حفظ كتابه من التحريف زيادةً و نقصاناً حيث قال : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [10] ، و عندما قال جلَّ جلاله : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [11] .
هذا و قد التزم النبي ( صلى الله عليه وآله ) إبلاغ هذا الكتاب العظيم إلى المسلمين الذين فاق عددهم حد التواتر ، و حثَّهم على حفظه و استظهاره و كتابته ، فسجّله كُتّابه الذين بلغ عددهم حسب بعض المصادر ما يُناهز الأربعين كاتباً .
ثم تتابعت جهود المسلمين في نقل القرآن و اهتمت الأجيال برعايته حفظاً و كتابةً حتى نجد أن الملايين من المصاحف المكتوبة عبر العصور و المطبوعة تتفق على نص واحد مُجمع عليه .
و المذاهب الإسلامية كلها على أن ما بين الدفتين من الألفاظ و المعاني و الأسلوب نزل من الله دون نقص أو زيادة ، و ليس لنبيه محمد ( صلى الله عليه وآله ) أي دخل في صياغته و وضعه ، فالقول بالتحريف مردود من قبل كافة المذاهب ، و ما قيل من التحريف في القرآن فهي آراء فردية [12] .
و ما نقرؤه اليوم هو الذي كان يقرؤه المسلمون في العهد الأول ، و ما نجده اليوم من النص المثبت بين الدفتين هو الذي أثبته السلف الصالح كما أخذوه من فيّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بلا تجوير و لا تحريف قط [13] .
هذا و أن قراءتنا الحاضرة هي القراءة التي تقبَّلها جمهور المسلمين من بين القراءات في جميع الأدوار و الأعصار و الأمصار و هي قراءة حَفصٍ عن عاصم بن أبي النُجود ، عن أبي عبد الرحمن السُلَّمي ، عن الامام أمير المؤمنين علي ( عليه السَّلام ) دون أي اختلاف .
قال العلامة المحقق آية الله الشيخ محمد هادي معرفة : " أما القراءة الحاضرة ـ قراءة حفص ـ فهي قراءة شيعية خالصة ، رواها حفص ـ و هو من أصحاب الامام الصادق ( عليه السَّلام ) [14] ـ عن شيخه عاصم ـ و هو من أعيان شيعة الكوفة الأعلام [15] ـ عن شيخه السُلَّمي [16] ـ و كان من خواص علي ( عليه السَّلام ) ، عن أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) ، عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، عن الله عزَّ و جلَّ " [17] .
حجية القرآن :
و أما الحديث عن حجيته فهو إلى جري العادة أقرب منه إلى الحقيقة ، إذ من الخطاء الاستدلال على حجيته بعدما أصبح من ضروريات الدين ، و لكن لا بأس بالإشارة إلى تلك الأدلة كما جرى عليه ديدن الباحثين :
العقل : فإن المجرد منه يحكم بوجوب إرشاد الناس من قبل خالقهم ـ حيث لم يخلقهم عبثاً ـ عبر الرسل الناطقة و الصامتة و تلازم الرسالتين في غاية الوضوح .
الاجماع : لقد أجمع المسلمون كافة على كون القرآن حجة في كل مرافق الحياة و التي منها التشريع ، و لا خلاف بين المذاهب و العلماء بل بين المسلمين أيضا .
الإعجاز : أثبت القرآن بأنه معجز إلهي عجز البشر في جميع العصور من الاتيان بمثله و مجاراته ، و متى ما كان بهذه المرتبة من الإعجاز فلا بد من صدوره من الله سبحانه ، و لا شك في حجية ما صدر عنه تعالى .
السُنة : لقد دلت كل الأدلة على عمل الرسول محمد ( صلى الله عليه وآله ) الصادق الأمين بالقرآن كما صرح هو بذلك أيضاً ، و لم ينكر الرسول عمل المسلمين بمضامينه و نصوصه ، بل حثَّهم على ذلك و التمسك به كما ورد في الأحاديث المتواترة [18] .
متى نزل القرآن ؟
بُعث محمدٌ ( صلى الله عليه وآله ) نبياً في يوم الإثنين السابع و العشرين من شهر رجب عام ( 13 قبل الهجرة ) [19] و اقترنت بعثته بنزول خمس آيات من القرآن ، و هي الآيات الأولى من سورة العلق ، أي : { بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } [20] .
أما نزول القرآن باعتبار كونه كتاباً سماوياً و دستوراً إلهياً فلم يبدأ إلا بعد مضي ثلاث سنين من بعثته المباركة ، و عليه فبداية نزول القرآن الكريم كانت في ليلة القدر الثالث و العشرين من شهر رمضان المبارك من عام ( 10 قبل الهجرة ) بمكة المكرمة .
و القرآن الكريم يصرح بنزوله في ليلة القدر :
قال الله عَزَّ و جَلَّ : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } [21] .
قال عَزَّ مِنْ قائل : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } [22] .
قال جَلَّ جَلالُه : { حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } [23] .
و لقد استغرق نزول القرآن عشرين عاماً أي من السنة ( 10 ) قبل الهجرة وحتى السنة ( 11 ) بعد الهجرة ، لأنه كان ينزل نجوماً في فترات و ظروف و مناسبات خاصة تعرف بأسباب النزول .
و كان آخر ما نزل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هو قول الله عزَّ و جلَّ : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا } [24] و ذلك في شهر ذي الحجة من العام ( 10 ) الهجري و هو في طريق عودته من حجة الوداع إلى المدينة المنورة .
كيف نزل القرآن ؟
كان نزول القرآن الكريم على الرسول الأمين محمد ( صلى الله عليه وآله ) وحياً ، و به تصرح الآيات القرآنية ، منها :
قوله عزَّ من قائل : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ } [25] .
قوله جلَّ جلاله : { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ } [26] .
قوله عزَّ و جلَّ { اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } [27] .
ما هو الوحي ؟
الوحي في اللّغة : هو الإعلام السريع الخفي .
أما الوحي في المصطلح الاسلامي فهو ـ كما قال العلامة المحقق السيد مرتضى العسكري ـ : كلمة اللّه جلّ اسمه التي يلقيها إلى أنبيائه ورسله بسماع كلام اللّه جَلَّ جَلالُه دونما رؤية اللّه سبحانه مثل تكليمه موسى بن عمران ( عليه السَّلام ) ، أو بنزول ملك يشاهده الرّسول ويسمعه مثل تبليغ جبرائيل ( عليه السَّلام ) لخاتم الانبياء ( صلى الله عليه وآله ) ، أو بالرؤيا في المنام مثل رؤيا إبراهيم ( عليه السَّلام ) في المنام أنه يذبح ابنه إسماعيل ( عليه السَّلام ) ، أو بأنواع اُخرى لا يبلغ إدراكها علمنا [28] .
قال استاذنا المحقق آية الله الشيخ محمد هادي معرفة ( حفظه الله ) في موسوعته القرآنية القيمة ما ملخصه : " و بما أنّ الوحي ظاهرة روحيّة ، فإنّه بأيّ أقسامه اتفق فإنّما كان مهبطه قلب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، أي شخصيّته الباطنة ـ الروح ـ .
قال عزَّ من قائل : { قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } [29] .
و قال جَلَّ جَلالُه : { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ } [30] .
و القلب هو لبّ الشيء وحقيقته الأصلية [31] ".
و قال العلامة الكبير السيد محمد حسين الطباطبائي ( قدَّس الله نفسه الزَّكية )في مسألة نزول القرآن على قلب الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : " و هذا إشارة إلى كيفيّة تلقّيه ( صلى الله عليه وآله ) القرآن النازل عليه ، و أنّ الذي كان يتلقاه من الروح هي نفسه الكريمة من غير مشاركة الحواسّ الظاهرة التي هي أدوات لأدراكات جزئيّة خارجيّة . . فكان ( صلى الله عليه وآله ) يرى شخص الملك و يسمع صوت الوحي ، و لكن لابهذه يسمع أو يبصر هو دون غيره ، فكان يأخذه برحاء الوحي [32] و هو بين الناس فيوحي إليه و لا يشعر ألآخرون الحاضرون